مشاركة

أنا أفكر؛ فأنا موجود!

العظيم في الأنبياء موسى النبي، شرح سقوط الإنسان في سفر التكوين بطريقة تصويرية مبسطة، تناسب كل العقول، رُمز لها بالجنة والشجرة المحرم الأكل منها؛ لكن إرشاد الروح القدس في رواية قصة السقوط لم يتركنا بغير إنارة من خلال الكلمات المكتوبة في (تك ٣ لنفهم بها المعنى والمغزى الحقيقي والجوهري لسقوط الإنسان، والمعنى المقصود بالشجرة والجنة.

ففي (تكوين ٣ :٤) يقول الشيطان (الذي رُمز له بالحية) للمرأةأنكما يوم تأكلان من الشجرة تصيران كالله وتصيران عارفين للخير والشر”. وهكذا نستطيع أن نفهم بوضوح أن سقوط الإنسان حدث بغواية من الشيطان، وأن مادة الغواية التي خدع الشيطان بها الإنسان هي خدعة الارتفاع والارتقاء إلى مستوى الله من خلال المعرفة، التي يمنحها الشرير؛ فهي إذاً قضية فكر ومعرفة، وأن هذا الفكر قاد البشرية بغواية الشيطان إلى الشر الذي يؤدى به لابتلاع الشر فكرياً أي (الاكل من الشجرة) والاستغراق والانغماس فيه.

فمفتاح سقوط الانسان كان و ما يزال هو الفكر والعقل، وبهذا يكون جوهر السقوط هو سقوط فكر وعقل الإنسان من معرفة الخير النورانية التي كانت تملئ روحه وعقله ونفسه بالحب والخير بسبب شخوصه في الله؛ إلى التحول للشخوص في أفكار الأنانية ورفض الآخر والاستعلاء عليه والاستغراق والتأمل في شهوة الاجساد والتفكير في اختراعات القتل والدمار؛ وهذا هو ما انتهى بالخليقة إلى الصورة التي عليها الانسان الآن، أنه حول عالمه وحضاراته إلى حضارة مادية، أنانية، واستهلاكية في اليد الواحدة وباليد الأخرى وظف معرفة الشر في صنع أدوات السحق والقتل والدمار التي تقضى على هذه الحضارة .

 

فمشكلة الإنسان التي احضرته إلى الشقاء والدوران في دائرة مفرغة، هي أن وجوده الإنساني أصبح غير محقق، بينما صارت الحضارة التي صنعها هي التي تبتلعه وتبتلع إنسانيته. هذه الحضارة هي التي أمكن توظيف مخرجاتها من أدوات الميديا والاعلام والسينما والستالايت والاتصالات في القضاء على جوهر الإنسان الداخلي، بضخ هذا الكم الهائل من المادة الفكرية والصور والأخبار والثقافة، التي مسخت صورة الإنسان الرائعة حينما كان شاخصاً في الفكر النوراني، الذي يحقق وجوده وحياته بالمحبة والفرح، إلى الأفكار الفارغة المضمون، والإحساس بالخوف، والشعور بالقلق، واللهث والدوران في عجلة الحياة، التي تستهلكه بغير توقف؛ أي الصورة التي نراها للحياة البشرية حولنا في كل مكان.

ومن هنا نستطيع أن نستنتج أن تغير واقع البشرية، وخروج الإنسان من مأزق الفراغ والعدم والأنانية الذي يدور فيه، لا يمكن أن يتحقق إلا بتجديد الفكر والعقل الإنساني؛ وهذا أيضا بدوره لن يتحقق إلا بإيجاد بدائل ومصادر مختلفة للفكر والحكمة، تغذى العقل البشرى الجمعي بمصدر بديل ينير عقله بفكر مبهج ومريح ومفرح يطرد من وجدانه وإحساسه رصيد الخوف والعنف والأنانية ورفض الآخر التي نجحت أفلام هوليوود، والحياة الأسرية المنهارة في أن تغرقه في هذا الواقع المرير.

المسيح يسوع النور الحقيقي، الذى جاء إلى العالم لينير كل انسان هو الذى وهب للكثيرين وما يزال يستطيع أن يهب للأكثرين: تجديد الفكر والطبيعة الإنسانية، لمن يقبله ويطلبه بإيمان.
 
"تغيروا بتجديد عقولكم لتعرفوا مشيئة الله: ما هو صالح، و ما هو مرضى، و ما هو كامل" (رومية ١٢ :٢ ).