المسيح كما أعلنه الإنجيل (١٨) | بل خطاة للتوبة!
لم تكن قسوة الناموس على الإنسان في مواجهة الخطية بلا مبرر أو أسباب؛ بل كان سببها الواضح هو عجز الناموس عن شفاء الإنسان من مرض الخطية، وعدم قدرته على تغيير طبيعة وواقع الإنسان؛ وكان الناموس يستمد قوته لفرض السيطرة والنظام في المجتمع البشري من غلظة العقوبات التي يوقعها ضد الخطية وضد انتهاكات الشريعة؛ وكان من الضروري أيضاً للناموس أن يضع العصاة والخارجين على القانون موضع الدينونة والتحقير والعزل أحياناً، وربما القتل والإبادة أيضاً.
ومن ثم فقد أوجد الناموس نظرة استعلائية نفاقية عند المتدينين على باقي طوائف الشعب من الخطاة الذين صير الناموس بعضهم منبوذين، وعليه فقد كانت فكرة الغفران مُستبعدة لسببين: الأول أنها متصادمة مع الشريعة وسطوة سيفها، والثاني أنها بلا طائل لأن ثمة تغيير في حياة المُخطئين المغفور لهم غير متوقع على الأطلاق، والمتوقع منهم في حالة المغفرة هو استمراء الخطأ.
من أهم مفاتيح فهم إنجيل المسيح وعهده الجديد: أن غفران المسيح للخطايا، لم يكن معناه الصفح عن الخطايا، كما كان يُعرّف الغفران في القديم: " الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله." (رومية ٣ : ٢٥)، لكن غفران المسيح كان قائماً على التطهير " الذي، وهو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بعد ما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عبرانين ١ : ٣)؛ وهذا معناه أن غفران المسيح قائماً على التطهير والشفاء من الخطية؛ فهو ليس صفحاً للإمهال! ولكنه تطهيراً من الخطية يؤول إلى البراءة والتبرير معاً، ومن ثم يكون الغفران نتيجة حتمية واجبة للتطهير الذي يناله الخاطئ بدم المسيح وبحياته.
فما عجز الناموس عنه وآل به إلى دينونة الإنسان وتحقيره والقسوة عليه بالعقاب؛ حققه المسيح له المجد للإنسان ليس من قبيل التساهل والتهاون أو ازدراء الشريعة؛ بل بالعكس فالغفران بالمسيح يصير بناءاً على تطهير الإنسان من إثمه وأيضاً تبريره.
لذلك فقد وُجد بالمسيح ولأول مرة في التاريخ ترياق الشفاء ودواء البشرية من مرض الخطية وتعاستها بقوة الحياة التي تفيض من المسيح الحي واهب الحياة، لتطهير الخطأة، وتغيير حياتهم وتجديد طبيعتهم.
ومن ثم كان المسيح له المجد يسعى في أثر الخطأة، ويذهب إليهم لمجالستهم والتواصل معهم، لكي يهبهم قوة التغيير والتطهير والتحرير من الخطايا، ومن نبذ المجتمع ودينونة الناموس، كما فعل مع المرأة المتلبسة بالخطية ومع مريم المجدلية ومع ذكا ومتى العشارين، وباقي الطابور الطويل الذين كانوا يتبعونه؛ إذ قد غسّلهم وطهرهم وبررهم من خطاياهم.
هذا هو سر الإنجيل: غفران المسيح الذي يحرر ويطهر من الخطية ويجدد طبيعة الإنسان؛ وهذا هو الطريق للتشبه به، ولأن يعلن المسيح محبته في الإنسان : أن تحول كل نظرة الإدانة وكل جرحٍ وغضبٍ من خطيئة الآخر إلى غفرانٍ وتطهيرٍ برش دم يسوع المسيح، وصلاة شفاعية بالمحبة لتغيير واسترداد الخطأة.
"فاذهبوا وتعلموا ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة" (متى ٩ : ١٣)
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "المسيح كما أعلنه الإنجيل" اضغط عالرابط التالي
https://anbamaximus.org/articles/JesusAsTheGospelRevealed.php