لقد شرح العظيم في الأنبياء، موسى النبي، فكرة سقوط الإنسان في سفر التكوين الإصحاح الثالث في قصة مصورة مبسطة تناسب جميع العقول. وبقيادة من الروح القدس، فقد رمَّزَ لها بالفردوس والشجرة التي حُرِّم الأكل منها.
بهذه الصورة التعبيرية لمعنى السقوط وبالكلمات التي استخدمها موسى، أي الشجرة والفردوس والحية، استطاع أن ينير عقولنا لفهم المعنى الحقيقي وسبب سقوط الإنسان..
في سفر التكوين، الإصحاح 3، آية 4، 5 قال الشيطان (الذي رمَّزَه بالحية) للمرأة: "فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ
وهكذا، يمكننا أن نفهم بوضوح أن سقوط الإنسان قد حدث لأن الشيطان أغوى الإنسان بخطيئة الكبرياء. كانت الحيلة التي خدع بها الشيطان الإنسان هي أنه يمكنه الارتقاء إلى مكانة الله من خلال المعرفة التي أعطاها الشيطان للإنسان. لذا فالسقوط هو مسألة تفكير عقلاني ومعرفة.
ومن ثَمَّ فقد سقط الإنسان تحت غواية الشيطان وقبوله لأفكاره الشريرة مما أدى إلى إخضاعه عقليًا وفكريًا لقوته الشريرة.
إن سقوط الإنسان هو في الأساس فكري وعقلي كما ذكرنا. لذا فالسبب الحقيقي للسقوط هو اغتراب عقل الإنسان وأفكاره عن الله، الذي هو مصدر الخير والنور والمعرفة، والتي قد ملأت نفسه وعقله وروحه بالحب والصلاح. لكنه قد قَبِلَ الأفكار الخادعة للشرير الذي هو مصدر الأنانية والكبرياء والاستعلاء. وتأمل في شهوة الاجساد مما دفعه إلى التفكير في الاختراعات للقتل والتدمير. فلقد حوّل عالمه وحضارته إلى حضارة مادية، أنانية واستهلاكية. لقد وَظّفَ معرفته بالشر في صنع أدوات السحق والدمار التي دمرت هذه الحضارة. وهذا ما انتهت إليه صورة الإنسان الآن.
مشكلة الإنسان التي أوصلته إلى البؤس وجعلته يدور في حلقة مفرغة هي أن وجوده الإنساني أصبح غير محقق. إنها الحضارة التي خلقها، فهي التي قضت على إنسانيته وابتلعتها. فقد استخدمت مخرجاتها من وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام ووسائل الاتصال للتخلص من جوهره الداخلي من خلال ضخ هذه الكمية الهائلة من المواد الفكرية والصور والأخبار والثقافة التي شوهت صورته الرائعة. فحوّل تركيزه من الأفكار الإيجابية والمستنيرة التي حققت وجوده وحياته في الحب والفرح إلى الأفكار الفارغة التي بلا محتوى. أصبح يعيش في خوف وقلق، يدور في عجلة الحياة التي تلتهمه دون توقف وهذه هي صورة الحياة البشرية التي نراها في كل مكان.
لقد أغرقته أفلام هوليوود والحياة الأسرية المنهارة في هذا الموقف المؤلم والمرير.
ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن تغيير الواقع الإنساني وإخراج الإنسان من مأزق الفراغ والعدم والأنانية التي يعيش فيها لا يمكن تحقيقه إلا بتجديد فكر الانسان وعقله. سيحقق ذلك فقط من خلال إيجاد مصدر بديل مختلف ينير عقله بالتفكير الإيجابي والمريح الذي يطرد هذا الشعور بالخوف والعنف والأنانية.
يسوع المسيح هو النور الحقيقي الذي أتى إلى العالم لينير كل إنسان، فهو الذي منح لكثيرين ولا يزال بإمكانه أن يمنح الكثيرين تجديدًا للفكر والطبيعة البشرية لأولئك الذين يقبلونه بإيمان، " وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ"(رومية 12: 2).