هل يعد الله نار الجحيم لشواء الخطاة؟!


 

لقد استخدم المسيح، حسب رواية الأناجيل، اللغة والتعبيرات والأقوال التي كان يروّج لها الناس في عصره ومجتمعه اليهودي، مثل عبارة "جهنم النار". لكن عندما نقرأ الإنجيل، لا نجد أن النار التي يتحدث عنها تعني النار المتوهجة المستخدمة في الشواء، كما أخبرنا القدامى وأورثونا هذه الفكرة. لكن يسوع قد أخذ هذا التعبير المتَدَاوَل (المتواتر) ليصف حالة البؤس البشري لمن هم خارج مجد حياته الأبدية، فحالتهم مماثلة للنار. لم يقل أبدًا أن الله، الآب السماوي، سيلقي البشر (الخطاة) في هذه النار، مثل الشواء البشري، لأنهم خطاة ويجب أن يُعَاقَبُوا. على العكس من ذلك، في إنجيل متى، الأصحاح 9، الآيات من 10 - 13، نقرأ أن العديد من العشارين والخطاة أتوا وجلسوا مع يسوع وتلاميذه. ولما رأى الفريسيون ذلك سألوا لماذا يأكل مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع يسوع ذلك قال لهم: إنه يريد الرحمة لا الذبيحة وأنه لم يأتِ ليدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة.

 

بكل أسف، تأثر الوعاظ والمبشرون المسيحيون بهذه الفكرة الموروثة. ففي العهد الجديد، نقرأ في الأناجيل أن الله أحب العالم وأعطانا ابنه الوحيد حتى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، أي حياته (حياة الله). "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكيلا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية." (يو 16:3).

 

يجب على المسيحيين قراءة الإنجيل جيدًا والتعلم منه، وليس من الموروثات التي ورثناها. نقرأ في إنجيل متى، أصحاح 5، المسيح نفسه يقول، "سَمِعتُم أنّهُ قِيلَ: أحِبّ قريبَكَ وأبغِضْ عَدُوّكَ44 أمّا أنا فأقولُ لكُم: أحِبّوا أَعداءَكُم، وصَلّوا لأجلِ الّذينَ يضْطَهِدونكُم، "(متى 5: 44،43).

 

نرى هذا النموذج من التغيير الذي أحدثه الرب على جميع الوصايا القديمة والموروثات القديمة بكل عنفها وعدائها، والتي كانت مناسبة لأوقات الظلام، ولكنها لا تتوافق مع عهد النعمة الجديد ونور إنجيل المحبة التي أعلنها لنا الله من خلال ابنه الوحيد يسوع المسيح.

في القديم، كان الناس يعتبرون الكوارث الطبيعية أعمال انتقام وعقاب من الله للبشر.

إن إحدى الموروثات التي ورثناها لتشويه صورة الله هي حادثة الطوفان في أيام نوح. أخبرونا أن الله قرر تدمير كل المخلوقات على الأرض لأنه اعتبرهم خطاة. بينما الحقيقة هي أن الله، بسبب حبه، أخبر "نوح" البار عن مجيء كارثة طبيعية وهي الطوفان، وأوصاه أن يصنع فلكًا ويدعو جميع الناس للدخول فيه ليخلصوا. لكنهم لم يسمعوا تحذير نوح واعتبروه أحمقًا (مجنونًا).

إن الله هو إله الخلاص والحماية، فهو لا يُهْلِك البشرية ولا ينتقم منها كما صوّرَه القدماء.

 

يجب أن نفهم الكوارث الطبيعية في سياقها الطبيعي، مثل فيضانات الأنهار والعواصف البحرية الشديدة التي حدثت في التاريخ وما زالت تحدث! وهكذا نفهم أن ما حدث لنوح وعائلته وحيواناته كان وحيًا من محبة الله له للخلاص والنجاة، دون أن ننسب إلى الله الصور العنيفة والانتقامية التي صوّرَها القدماء. فعلينا نحن المسيحيين أن نقرأ العهد القديم بعيون استنارة العهد الجديد وليس العكس.

إن الإنجيل يعلن لنا أن الله يحب الإنسان ويسعى لإنقاذه من الموت والدمار والخراب الذي يسببه الشيطان. لقد أظهر نفسه ونوره الحقيقي في المسيح يسوع، الذي كان ولا يزال يُعْلِنُ ويمنح محبة الآب السماوي لمن يستجيب له، ويهب الشفاء من الأمراض، والسلام الداخلي، والتحرر من بؤس هذه الحياة، إلى السعادة والفرح الذي يمتد إلى الأبد.

كما يخبرنا العهد الجديد في رسالة القديس يوحنا الأولى، الأصحاح 5، آية 11، " وَهَذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ. ".

 

في هذه السلسلة من المحاضرات، سنتطرق إلى تشوهات المعرفة التاريخية للقدماء، التي رسمت صورة دموية لتاريخ البشرية والعلاقة الرهيبة مع إله غائب! حتى أُعلنت المحبة عندما واجه المسيح الموت على الصليب وأباده وسحقه بقيامته. وسأحاول أن أمنحك تجربة عملية وحيوية، لاكتشاف حقيقة الإنجيل دون تحريفات الشعب القديم، وتجربة حب الله العملي والواقعي في حياتنا، والذي لايزال يقدمه ويمنحه لنا من خلال المسيح يسوع في الروح القدس. فهو لا يزال ينادي الجميع قائلاً، "تعالوا إليّ، يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم." (متى 11:28).

نرحب بكم للانضمام إلينا في هذه الرحلة لاكتشاف سر الحياة الأبدية ومحبة الآب السماوي لكل الخليقة.