قراءة العهد القديم بعيون الجديد(١٠)| هل القتل والدمار؛ أعمال الله؟!


هذه السلسلة من المقالات عن إعادة قراءة العهد القديم بعيون وفكر العهد الجديد؛ ليست تكرارًا ولا حوارًا حول سلسلة المقالات التي سبقتها؛ التي برهنت أن ناموس العهد الجديد (روح الحياة القدوس)؛ قد حل محل ناموس العهد القديم (الخطية وعقوبة الموت) "لأنه إن تغَيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا" (عب ١٢/٧)؛ ولكنها محاولة تطبيقية جادة لقراءة العهد القديم بفكر العهد الجديد]

لقراءة المقالات السابقة من هذه السلسلة اضغط عالرابط التالي

https://anbamaximus.org/articles/NewTestament.php

 

هل القتل والدمار؛ أعمال الله؟!

 

ما هو التعليم اللاهوتي المسيحي الأصيل قبل الاختراق التهويدي للفكر المسيحي في الغرب، وقبل انفلات عقد الإلتزام بلاهوت الآباء الأولين وخروج الجماعات اليهودية المتمسحنة علينا بلاهوت جديد في أواخر القرن التاسع: يُكرس للمساواة بين اليهودية والمسيحية وبين العهد القديم والعهد الجديد باسم وحدة الكتاب المقدس!

كيف نفسر انتشار تعليم مختلف عن تعليم الكنيسة الأولى؛ يمس جوهر المسيحية والفداء، وبدون أي شواهد وإثباتات من العهد الجديد! بل ويتناقض مع نصوص العهد الجديد ومحبة الله للبشرية وللإنسان الخاطئ؛ لكي يعيد تصدير صورة الله كما رأتها بشرية وأنبياء تحت الظلمة والموت في العهد القديم؛ وقسوة عقابية من الإله والشريعة: يأبى الإنسان أن يتعامل بها مع حيواناته الأليفة!

المسيح لم يقل أبدًا: أن الله الآب الذي أحب الخطاة ووهب ابنه لكي نحيا به فلا يهلك كل من يؤمن به؛ أنه يعاقب البشرية بهذه الصورة الإنتقامية! بل بالعكس قال أن إبليس هو الذي من البدء كان قتّالاً للناس ومخربًا ومدمرًا؛ وحينما تحدث عن الشقاء الأبدي نَسَبَهُ إلى الشيطان "النار المُعدة لإبليس" (مت٤١/٢٥) وليست للإنسان؛

 الصورة التي وصف بها العهد القديم والناموس طريقة معاقبة الناموس للزانية بالرجم؛ للعصاة بالطوفان؛ مغايرة لأسلوب المسيح له المجد الذي طهّر الزانية من نجاساتها ومنحها عمرًا وحياةً جديدةً من موت، وعالج خوف ورعب تلاميذه من الغرق بأن أسكت هيجان العاصفة.

من المفهوم سبب الفارق الهائل بين المسيح وبين أنبياء الناموس في التصرف؛ أنه صاحب السلطان ومانح الحياة والخلاص والتغيير للإنسان؛ ولكن يظل السؤال الحائر والمحير:

     إذا كان أسلوب أنبياء الناموس الدموي والإبادة الجماعية مرجعه عجز الناموس عن تغيير الإنسان وتجديد الطبيعة البشرية وكانت إبادة الشعوب هي الحل لديهم (بدلاً من أن يقدموا أطفالهم "للصنم مولك" ذبيحة؛ قام يشوع بن نون ورجاله بذبح هؤلاء الأطفال مع أهاليهم في أريحا)

فلماذا: يخدعون إنسان العهد الجديد؛ بأن العنف الدموي كان من عند الآب السماوي؛ وليس أنه قرارات ورؤية بشرية؛ تحت سلطان الموت وجالسين في الظلمة! وإذا كان هذا هو فهمم للتأديب؛ فلماذا لم يؤدب المسيح الخطاة كذلك؟

 وإذا كانت هذه أعمال الآب فلابد أن تكون أعمال الابن أيضا؛ لأنه قال له المجد: "لا يقدر الابن ان يعمل من نفسه شيئا الا ما ينظر الاب يعمل.​ ؟؟؟" (يو١٩/٥) أم أنه قد انكشفت الآن لذوي البصيرة والأذكياء: أنها محاولة اختراقية خبيثة ناعمة من التهويديين لإخضاع إعلان المسيح عن الآب وعهده الجديد بروح الحياة؛ لناموس الخطية والموت؟!

كيف تكون أعمال المسيح في عهده الجديد متناقضة مع أعمال أبيه في العهد القديم؟! وإلا فإنها أعمال الأنبياء والملوك والناموس في عالم لم يرى الحياة التي لم تكن قد أظهرت بعد؛ وقد ملك عليه الموت وتسلط عليه إبليس القتال بالقتل والكوارث والشرور والإهلاك!

فبسبب الضعف والوهن الشديد الذي أصاب الكنيسة وانقسام حركة    الإصلاح مع ضم العهد القديم إلى الجديد في مجلد واحد: نجح هؤلاء الخونة لإنجيل المسيح من استعادة قطاعات واسعة من المسيحيين إلى التهود؛ بالعودة إلى ناموس الخطية والموت الذي حكم تصرفات رجال العهد القديم؛ ومن ثم فقد صار إنجيل مثل هؤلاء: باهتًا وغير قادر على أن يخلص أحدًا؛ مثل القديم تمامًا!

وعادوا ينظرون إلى الآب بعيون الجالسين في الظلمة وظلال الموت فرأوه يَقتُل ويُهلك بالطوفان وغيره! مع أن الموت والإهلاك هي أعمال الشرير وليست أعمال الله الغير مُجَرَّب بالشرور! (يع١٣/١) وهذه واحدة من أخدع خداعات الحية القديمة المدعوة إبليس: أن نسب أعماله الشريرة من قتل ودمار وإهلاك إلى الله الآب المحب؛ وذلك من خلال فرض رؤية إنسان العهد القديم الجالس في الظلمة وظلال الموت وتحت ناموس الخطية والعقوبة بالموت؛ على إنسان العهد الجديد الذي قبل المسيح؛ الذي رأى الآب وأعلنه بالحقيقة للإنسان: أنه الله المحبة الغير مُجَرَّب بالشرور وليس فيه موت ولا ظلمة بل هو النور الحقيقي والحياة الأبدية

خلاص المسيح هو قبول المسيح والاتحاد به؛ وهو عطية الآب المحب المجانية لمن يقبل ابنه بخضوع المحبة له، ثم يثبت فيه بالمحبة والثبوت في وصاياه.

 لقد أبطل المسيح له المجد الخطيئة بذبيحة نفسه، وأبطل الموت وأنار الخلود والحياة بالإنجيل؛ لن ترجم الزانية فيما بعد بل ستنال حياة جديدة في المسيح تطهرها من خطاياها، ولن يكون سلطان للشيطان أن يضرب بالجنون واللفح والحكة واليرقان (تث٢٧/٢٨)! بل ستنال نازفة الدم شفاءًا بالمسيح يسوع ويتطهر الأبرص ولا يعتسف الأعرج فيما بعد بل يقفز كالأيل مسبحًا الله.

أتركوهم للناموس وللعهد الذي اضمحل وشاخ وصار قريبًا من الفناء

أتركوهم للتهود وللنقمة والإهلاك وحدهم؛ وتعالوا يا بنوا الملكوت السماوي إلى إنجيل خلاص المسيح، إلى الامتلاء من الحياة الأبدية وقوة مواهب الروح القدس؛ فالكنيسة المسيحية لم تقبل العهد القديم على قديمه! بل قبلته بعيون العهد الجديد؛ مُكَمَّلاً بإعلان المسيح الحقيقي عن الآب الذي هو منه ورآه ويعرفه، وبناموس الطبيعة والحياة الجديدة في الروح القدس، وأيضا بالثبوت في الوصية الجديدة.