قراءة العهد القديم بعيون الجديد(٣)


[هذه السلسلة من المقالات عن إعادة قراءة العهد القديم بعيون وفكر العهد الجديد؛ ليست تكرارًا ولا حوارًا حول سلسلة المقالات التي سبقتها؛ التي برهنت أن ناموس العهد الجديد (روح الحياة القدوس)؛ قد حل محل ناموس العهد القديم (الخطية وعقوبة الموت) "لأنه إن تغَيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا" (عب ١٢/٧)؛ ولكنها محاولة تطبيقية جادة لقراءة العهد القديم بفكر العهد الجديد]

لقراءة المقالات السابقة من هذه السلسلة اضغط عالرابط التالي

https://anbamaximus.org/articles/NewTestament.php


    اغتيال هابيل (تك ٤) 

لقد أفرخ الشر بلدغة الموت التي سرت في كيان البشرية بسم الحية (الشيطان) وصار الإنسان حقودًا وقاتلاً لأخيه كالشيطان؛ وهذا هو المشهد النهائي للاصحاح الرابع من سفر التكوين؛ على أن تفاصيل حادثة الاغتيال كما وردت في سفر التكوين؛ تذهب إلى أن هابيل كان بارًا وكان بالصدفة راعيًا للغنم فقدم منها تقدمته؛ بينما قايين الذي كان مزارعًا قدم تقدمته لله من ثمار حقله؛ ثم يصرح سفر التكوين إلى أن الله التفت إلى تقدمة هابيل ولم يلتفت إلى تقدمة قايين؛ ولم يرد أي ذكر في الكتاب المقدس بعهديه لا من بعيد ولا من قريب أي إشارة إلى فكرة: أن الله قَبِلَ تقدمة هابيل لأنها ذبيحة دموية؛ ولم يقبل ذبيحة قايين لأنها كانت نباتية ومن ثمار الحقل! الفكرة إضافة إلى أنها مثيرة للشفقة؛ فهي بلا أي دليل؛ فقد قدم كل منهما مما عنده!

الإجابة حاضرة في سفر التكوين نفسه: "فقالَ الرّبُّ لِقايـينَ: لِماذا غَضِبتَ ولِماذا عبَسَ وجهُكَ؟ إذا أحسنْتَ عمَلا، رفَعْتُ شأنَكَ، وإذا لم تُحسِنْ عمَلا، فالخطيّةُ رابِضةٌ بِالبابِ وهيَ تَتَلهَّفُ إليكَ، وعلَيكَ أنْ تسُودَ علَيها" (تك٦/٤المشتركة) والسبب هو: "إن راعيت إثمًا فلا يستجب لي الرب" (مز ١٨/٦٦) وهذا هو رد الرب على قايين وتحذيره له وأيضًا حضه على التوبة؛ بحسب سفر التكوين. 

ولكن الهوس بالتهويد والعودة إلى الناموس والذبائح؛ التي سيطرت بطريقة مغرضة ومخترقة للعقل المعاصر بالأفكار الصهيونية هي التي أنتجت هذا النوع من التفاسير؛ الدموية!

بعد إشارة سفر التكوين إلى دور الحية رمزًا للشيطان؛ في أنها نقلت سم الموت الذي فيها إلى الإنسان؛ وليس أن الله هو الذي حكم عليهم بالموت حسب الموروث اليهودي؛ لأن الله نور لا ظلمة ولا موت فيه البتة، وهو غير مُجَرَّبٍ بالشرور ولا بالموت حتى يخرج منه على الإنسان! فإن سفر التكوين يعجز هذه المرة عن أن يشرح دور (الحية) الشيطان في استغراق قايين في الشر واستمراره فيه حتى تتميم مشيئة الحية (الشيطان) وعملها؛ بأن قام على أخيه وقتله!

العهد الجديد يشرح لنا دور الحية في هذا الغدر والاغتيال على النحو التالي: "ليس كما كان قايين "من الشرير" وذبح أخاه. ولماذا ذبحه؟ لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة" (١يو ١٢/٣) وبهذا النص من العهد الجديد نستطيع أن نرى الصورة بطريقة واضحة: لقد دخل الموت إلى الإنسان واجتاز الموت من آدم إلى قايين ثم إلى نسله "إذ أخطأ الجميع" (رو١٢/٥) وبالخطية والموت تَمّلَك الشيطان (الحية القديمة) على الإنسان فصار الإنسان قاتلاً وقتّالاً مثله! "أنتم من أب واحد هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتّالاً للناس من البدء" (يو ٤٤/٨)

 وهذا سيشرح لنا فيما بعد من أي روح حدثت كل أعمال القتل في العهد القديم؛ معلنة تسيد الشرير على البشرية بالقتل؛ ثم نسبة أعمال القتل هذه إلى الله! مع أن الله لا ظلمة ولا قتل فيه البتة!