[هذه السلسلة من المقالات عن إعادة قراءة العهد القديم بعيون وفكر العهد الجديد؛ ليست تكرارًا ولا حوارًا حول سلسلة المقالات التي سبقتها؛ التي برهنت أن ناموس العهد الجديد (روح الحياة القدوس)؛ قد حل محل ناموس العهد القديم (الخطية وعقوبة الموت) "لأنه إن تغَيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا" (عب ١٢/٧)؛ ولكنها محاولة تطبيقية جادة لقراءة العهد القديم بفكر العهد الجديد]
لقراءة المقالات السابقة من هذه السلسلة اضغط عالرابط التالي
https://anbamaximus.org/articles/NewTestament.php
(العري، الشقاء، اللعنة) تكوين ٣:
فهمنا في المقال السابق من شرح القديس أثناسيوس أن قصة الجنة والسقوط هي تصوير رمزي من النبي موسى المنقاد بإلهام من الروح القدس؛ ومن ثم فتعبيره: "فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عُريانان" يصف نتيجة الخطية: الشعور بالعار والخزي والهروب من مواجهة النور الإلهي! والذي صوره النبي موسى بخجل العري؛ فالناس يتعرون أمام الكاميرات وأمام بعضهم وعلى شواطئ العراة؛ ولا يخجلون! لأن المعنى هو الخجل وعار الخطية الذي عبر عنه بالإحساس بالعري وليس العري الحرفي.
ومن هنا فإن مُفَسري الموروث اليهودي ذهبوا إلى حرفية العري والأكثر من هذا؛ فقد ذهبوا إلى أن الله ذبح حيوانات وفصّل وخاط لهم منها أقمصة من جلد! وكأن خالق الجلد للحيوانات غير قادر على أن يخلق لهما أقمصة! والمعني الرمزي واضح أن مجهودات الإنسان لستر خزي وعار الخطية غير مجدية وقد (شُبهت بورق التين) لكنها النعمة التي هي عطية الله وحدها القادرة على إزالة العار والخزي (فشُبِهت بأقمصة الجلد) بالمقارنة مع ورق التين!
الجزء التالي من الحديث: "وقال (أي الله) للمرأة: تكثيرًا أُكَثِّرُ أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رَجُلِكِ يكون اشتياقك وهو يسود عليك" والسؤال في جملة واحدة هل الله بعيون إعلان الرب يسوع المسيح وعهده الجديد: يعاقب بالعمى؛ أم يفتح عيون العميان؟ (يو٩)
يُكثر آلام وأتعاب الإنسان أم يرحم ويقيم الساقطين؟! يستبدل محبة الروح القدس؛ بالاشتياق والاشتهاء؛ ويستعبد المرأة لرجلها (كطالبان)؛ أم يحرر الإنسان من العبودية؟!
نحن مازلنا في العهد القديم نرى ذهنية الناموس والخطية والعقاب؛ دون الشفاء والحرية والحياة؛ فالمعني إذن بعيون الإنجيل: أن هذه كلها هي ثمرة الخطية؛ لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا! بالعقاب بالشرور
ثم نأتي إلى عبارة سفر التكوين: "ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، شوكا وحسكا تُنبت لك، وتأكل عشب الأرض، بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب وإلى التراب تعود" (تك ١٨،١٧/٣)
هل الله عنده لعنة حتى يعاقب الأرض التي خلقها حسنة وجيدة بذنب وخطية آدم؛ ويلعنها؟! وإذا كانت هذه عقوبة حرفية ثمرة للخطية؛ فماذا عن المراعي الخضراء والجنات الفيحاء التي يحوزها الأشرار والخطاة في أنحاء العالم؟! الله ليس معاقبًا بالشرور لأنه غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ؛ ولكنها ثمرة فقدان البركة والنعمة بسبب فقد الشركة مع الآب المحب معطي الخيرات؛ ثم أن هذه صورة تصويرية لفقدان البركة والوقوع تحت سلطان الشرير والمخرب للإنسان ولعالمه وأرضه وأيضا الطبيعة.
عرفت إنسانًا بسيطًا محبًا للمسيح وإنجيله؛ كان يمتلك أربعة قراريط من الأرض الزراعية بمحاذاة الطريق الأسفلتي؛ وكان قد زرعها "ذرة" في العام الذي داهمتنا فيه الفئران في مصر بصورة وبائية في بداية ثمانينات القرن الفائت؛ حتى أن الفئران أكلت المحاصيل ووصلت إلى البيوت والعمائر الفخمة في القاهرة؛ وكان أنه ذهب إلى حقله فوجد أن الفئران قد أكلت الحقول من حوله من الجهات الثلاثة (ما عدا الأسفلت) ولم تمس حقله!
وأعرف آخر مثله؛ بارك الله في حقله حتى تعب العمال ولم يقووا على جمع ثمار الأشجار من وفرتها وكثرتها؛ حتى تساقطت على الأرض بوفرة وكثرة! وهم مازالوا أحياء يشهدون!