لقد عانى الإنسان في العالم القديم بشكل عام، وفي الشرق خاصةً، من القهر الفكري والديكتاتورية الدينية من جهة والأنظمة السياسية الاستبدادية ومصادرة الحريات من جهة أخرى. وعليه فإن المنافع والمناصب والمكاسب تذهب إلى الطبقات الحاكمة السلطوية دينيًا وسياسيًا على حساب الإنسان المسحوق والمجتمعات التي أهملتها السلطات. هذا هو سبب تدفق الأفواج البشرية إلى أمريكا مثل المهاجرين الآخرين، وقد سعوْا وراء حلم الحرية بينما حلم آخرون بالثروة السريعة في الأرض البكر الطيبة وأيضًا بالهيمنة.
ثم كانت الحرب الأهلية في بلدنا أمريكا علامة فارقة في تاريخها وتاريخ البشرية بإلغاء الرق (العبودية). صار لدينا دستور في عالم جديد يصنع منه الإنسان المفكر وطنًا جميلًا مزدهرًا مثمرًا بالثروة وكل احتياجات البشرية.
لكن هل الحلم الذي جعلنا نأتي إلى هنا قد تحقق؟ أم أن أدوات الاستعباد والقمع التي نجونا منها في عالمنا القديم قد تم استبدالها بأدوات أكثر نعومةً ودهاءً، وأصبح الإنسان المعاصر مقيدًا وتحت عبودية، ولكن هذه المرة ليس بالاضطهاد القاسي، ولكن من خلال وعي الإنسان وإرادته التامة بكل أدوات الإغواء أو الإقناع؟!
على المستوى المالي، يمتلك الآن النظام الرأسمالي والمال كل شيء، وأصبحت بطاقات الائتمان ذات البرامج الإعلانية الضخمة فخًا كبيرًا يستعبد الناس. وسهلت عليهم الاقتراض فأوقعتهم في بؤس الديون، وأيضًا أغوتهم لاقتناء الممتلكات. وبطريقة تتجاوز فكرة الحصول على ما نحتاج إلى استخدامه، بل إلى استخدام جميع أشكال الإغراء وحب العالم، والغرور، والتباهي بالمقتنيات وامتلاك وارتداء العلامات التجارية.
على الصعيد الإنساني والاجتماعي، أُطلق الجنس على حساب الأسرة وترابطها والإنسانية، تحت مسمى الحرية الجنسية والشخصية، بدءًا بالسينما، ثم جميع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة المنتشرة على نطاق واسع إلى حد تقنين الزواج المثلي بموجب قانون سنته (قننته) المحكمة العليا.
والسؤال هنا بعد هذا التحليل للمجتمع الأمريكي هو: هل تحقق حلم الحرية والسعادة للشعب الأمريكي، أم أن الغالبية أصبحت مُستَعْبَدَة للجنس والمال؟ وما هي عواقب كل هذا على الصحة العقلية والجسدية للأمريكيين والأطفال والأسرة الأمريكية ككل. أخشى أن يكون "لوسيفر" قد نجح في سلب وسرقة حرية الإنسان وسعادته الأبدية بإغراءات محبة العالم وفخ الجنس.
السؤال الآن الذي يجب على كل منا أن يطرحه على نفسه هو، هل تمكّنا من تحقيق السلام العميق والراحة والسعادة من خلال الركض وراء هذه الرغبات الشهوانية والعادات السيئة التي تعلمناها من هذا العالم، أم أننا الآن نحمل ثمارها، من ذلك القلق والاكتئاب الذيْن غيّما على قلوبنا وعقولنا دون أن تمنحنا السعادة الحقيقية؟
دعني أؤكد لك بشدة أن الطريق إلى الخلاص من قيود عبودية لوسيفر التي فرضها على الإنسان، والحل الوحيد لاستعادة الحرية، هو فقط من خلال يسوع المسيح، الذي كان قادرًا على كسر كل قيوده وتحرير الإنسان من عبوديته. لقد وعد يسوع المسيح وحقق وعده لأنه هو الوحيد الذي هزمه على الصليب وأبطل كل أسلحته التي حارب بها الإنسان، وهي عبودية الخطية "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا." (يو ٣٦:٨).
فمن يريد أن ينال حريته ويتحرر من عبودية الخطية وإبليس، عليه أن يلتصق بالمسيح ويسلّم نفسه له.
أخيرًا، أريد أن أتركك بسؤال أود أن تجيب عليه وهو هل كانت دعوة المسيح للبشرية هي أن تنعزل عن العالم أم بالأحرى، كانت دعوته لنا أن نستمتع بخليقة الله الصالحة التي خلقها من أجلنا دون أن نُستَعْبَد لرغبات شهوانية شريرة من خلال بحثنا الدائم عن الفراغ والمجهول الذيْن يقوداننا إلى القلق والاكتئاب والوحدة والحسرة؟!